ما هو الأساس الشرعي للسلطة السياسية؟


 

منذ نشأة التجمعات البشرية الأولى، كان سؤال "من يملك الحق في الحكم؟" يتردد كنبضٍ خفيٍّ في قلب التاريخ. لا تقتصر شرعية السلطة السياسية على القوة أو السيطرة، بل تمتد إلى الأسس التي تجعل من الطاعة فعلاً مقبولًا أخلاقيًا، أو عقدًا متبادلًا، أو واجبًا روحيًا. فهل يخضع الفرد للدولة لأنه وافق؟ أم لأنه استفاد؟ أم لأنه يؤمن بمصدرها؟ هذا السؤال يفتح أمامنا أبوابًا متعددة للفكر، من العقد الاجتماعي إلى الفعالية الوظيفية، مرورًا بالتقليد والدين، ووصولًا إلى النظريات النقدية التي تفكك السلطة نفسها.


الأسس الفلسفية لشرعية السلطة السياسية

1. نظرية العقد الاجتماعي

روّادها: هوبز، لوك، روسو

الفكرة: السلطة تنبع من اتفاق ضمني أو صريح بين الأفراد والحاكم. المواطنون يتنازلون عن جزء من حريتهم مقابل حماية الحقوق والنظام.

الشرعية: تأتي من الموافقة الشعبية، فالدولة شرعية طالما يرضى عنها الشعب أو يشارك في تشكيلها.

2. الفعالية والوظيفة

الفكرة: الدولة شرعية إذا كانت تحقق النظام، الاستقرار، والتنمية.

مثال: نظريات مثل الواقعية السياسية أو البراغماتية تؤكد أن النجاح في إدارة المجتمع يبرر وجود السلطة.

الشرعية: تأتي من الأداء، بغض النظر عن الشكل أو الأصل التاريخي.

3. الدين والتقليد

الفكرة: السلطة تستمد شرعيتها من الإرادة الإلهية أو من الموروث الثقافي والرمزي.

مثال: الملكيات القديمة أو الدولة التي ترتكز على الشريعة أو العقيدة.

الشرعية: تأتي من قداسة المصدر أو من استمرار الأعراف وتقبل الناس لها.

4. النظريات النقدية والمقاومة

مثل: ماركس، فوكو، أو الأناركيون (اللاسلطويون)

الفكرة: السلطة غالبًا ما تكون أداة للهيمنة، ويجب نقدها باستمرار. الشرعية ليست ثابتة، بل تُسائل باستمرار.

الشرعية: تُربك مفهومها وتعيد تشكيله من منظور المقاومة أو تفكيك الخطاب السلطوي.


لماذا يجب على الفرد أن يخضع؟

حسب كل نظرية، الجواب يختلف:

1. في العقد الاجتماعي: لأن ذلك يحقق الأمن ويحفظ الحقوق.

2. في الفعالية: لأن الدولة توفر ما لا يستطيع الفرد تحقيقه منفردًا.

3. في التقليد الديني: لأن الطاعة جزء من الفضيلة أو الواجب الإيماني.

4. في النقد: ربما لا يجب، وقد يكون العصيان واجبًا أخلاقيًا أحيانًا.


إن شرعية السلطة ليست حجرًا ثابتًا، بل مرآةٌ تعكس تصوراتنا عن الحرية والعدالة والانتماء. وما بين القبول والمساءلة، الطاعة والتمرد، تتشكل العلاقة بين الفرد والدولة كحوارٍ دائمٍ حول معنى النظام والحق، لا كحكمٍ نهائيّ. فربما لا يكون السؤال "لماذا نخضع؟"، بل "متى نتوقف عن الخضوع؟" حين تفقد السلطة روحها، وتتحول من راعٍ إلى عبء، ومن تعاقد إلى إخضاع.

  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Amjad Ali Nayouf

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي