عيد الغدير في العرفان العلوي: فلسفة الولاية والوجود (1-4)

 


في تاريخ الفكر الإسلامي، يظلُّ عيد الغدير حدثًا مفصليًا أثار تأويلات متعددة، تراوحت بين السياسي والديني، العقائدي والروحي. إلا أن العرفان العلوي يقدِّم قراءة متفردة لهذا الحدث، لا بوصفه إعلانًا سياسيًا فحسب، بل بوصفه كشفًا أنطولوجيًا عن بنية الوجود ومسار الخلاص.

هذا البحث يحاول الغوص في أعماق تلك الرؤية العلوية، حيث تتحوّل الولاية إلى فلسفة كاملة، ويتجلى الغدير لا كمناسبة طقسية، بل كنموذج كوني يُعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان، والنبوة، والحقائق الكبرى.

إنه رحلة فكرية-عرفانية، تُعيد تفسير النصوص، وتُقارن بين المدارس الفلسفية، وتُنقِّب في شخصيات مثل علي وسلمان بوصفهم تجليات نورانية، لا رموزًا تاريخية فحسب. ويهدف إلى إعادة طرح الأسئلة الكبرى:

ما معنى الولاية في سياق الوجود؟

كيف يتحول النص إلى تجربة؟

وهل يمكن لفكر روحي كالعرفان العلوي أن يتحاور مع أنساق كونية مثل الأفلاطونية، المسيحية، والهرمسية دون أن يفقد جذوره؟

بهذا، يأتي البحث لا كخطاب عقائدي، بل ككشف لمجرى باطني يسكن تراثًا حيًّا، ويدعونا إلى التفكير في الغدير كبوابة نورانية تتجدد في الوعي كما في الزمان. 


الإطار المفاهيمي والنظري

في قلب الفكر العرفاني العلوي، تتجلى رؤية فلسفية متميزة ترى في الولاية العلوية مفتاحًا لفهم الوجود والمعرفة، وتضع الغدير ليس فقط في سياقه التاريخي، بل في نسيج كوني يتجاوز الزمان نحو الأنطولوجيا. هذا الفصل يُمهّد لمقاربة معرفية تستكشف أصول العرفان العلوي وموقعه من المدارس الفلسفية الكبرى، وصولًا إلى فهم دور "الولاية" كمنظومة وجودية، وسلمان الفارسي كوسيط معرفي بين الظاهر والباطن.


1. العرفان العلوي كفلسفة وجودية

لعرفان العلوي ليس مجرد فرع من التصوف الإسلامي، بل هو فلسفة روحية متكاملة تنبع من قلب الموروث الشيعي وتنفذ إلى عمق البنية الميتافيزيقية للإسلام. إنه يتأسس على الرؤية بأن الولاية ليست سلطة دنيوية، بل نظام كوني يُعبّر عن العلاقة بين الله والإنسان عبر تجليات النور الأزلي.

وإذا قارناه بالمدارس الكبرى، نكتشف الفروقات الآتية:

الأفلاطونية المحدثة: تتشابه في تصور الفيض من الواحد إلى النفس، لكن العرفان العلوي يُجسد هذا التسلسل عبر شخصيات تاريخية (محمد، علي، سلمان)، بعكس الرؤية التجريدية لدى أفلوطين.

ابن عربي والعرفان الفلسفي: كلاهما يؤمن بـ"الإنسان الكامل"، لكن ابن عربي يُطلقها كمقام نظري، بينما العرفان العلوي يضع عليًّا بوصفه التجسد التاريخي الكامل لتلك الحقيقة، وبوصفه "عين الوجود".

 الإشراقية (السهروردي): تلتقي مع العلويين في مركزية النور كمبدأ أول، لكن العرفان العلوي يُحوّل النور إلى ولاء متجسد، حيث الإمام هو نقطة الانكشاف النوري الأسمى.


2. مفهوم الولاية في الفلسفة العلوية

الولاية في الرؤية العلوية ليست منصبًا دينيًا يرتبط بالخلافة، بل مقامًا أنطولوجيًا يحدد كيفية ظهور الحقيقة في عالم الظاهر. النبي محمد يُجسّد النبوة بوصفها الوحي الظاهري، بينما الإمام علي يُجسّد الولاية باعتبارها انكشاف الباطن المستمر بعد انقطاع النبوة.

الفرق هنا ليس رمزيًا فحسب، بل جوهري: النبوة تنتهي تاريخيًا، أما الولاية فتبقى حية في وعي المؤمن، وهي التي تفتح باب الاتصال المعرفي عبر السير والسلوك، مما يُحوّل الغدير من لحظة إعلان إلى بوابة روحية متكررة.


3. سلمان الفارسي: الوسيط المعرفي والإنسان الكامل

بين محمد الظاهر وعلي الباطن، يأتي سلمان الفارسي كالباب الذي يربط النور بالمشيئة، الإنسان بالحق، والزمن بالتجلي. لم يكن سلمان مجرد تابع أو صحابي، بل وفق العرفان العلوي هو "مثل السالك الأعلى"، والذي يمثل الحدّ بين التاريخ والأسطورة، بين الشريعة والحقيقة.

حديث النبي "سلمان باب علمي" لم يُفهم فقط كإشادة، بل كإشارة باطنية إلى الوظيفة الفيضية التي يؤديها سلمان: الوسيط بين النبوة والولاية، بوصفه المدخل إلى المعرفة العرفانية.


  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
Amjad Ali Nayouf

عدد المقالات:

شاهد ايضا × +
إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

X
ستحذف المقالات المحفوظة في المفضلة ، إذا تم تنظيف ذاكرة التخزين المؤقت للمتصفح أو إذا دخلت من متصفح آخر أو في وضع التصفح المتخفي