في تاريخ الفكر الإسلامي، يظلُّ عيد الغدير
حدثًا مفصليًا أثار تأويلات متعددة، تراوحت بين السياسي والديني، العقائدي
والروحي. إلا أن العرفان العلوي يقدِّم قراءة متفردة لهذا الحدث، لا بوصفه إعلانًا
سياسيًا فحسب، بل بوصفه كشفًا أنطولوجيًا عن بنية الوجود ومسار الخلاص.
هذا البحث يحاول الغوص في أعماق تلك الرؤية
العلوية، حيث تتحوّل الولاية إلى فلسفة كاملة، ويتجلى الغدير لا كمناسبة طقسية، بل
كنموذج كوني يُعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان، والنبوة، والحقائق الكبرى.
إنه رحلة فكرية-عرفانية، تُعيد تفسير النصوص،
وتُقارن بين المدارس الفلسفية، وتُنقِّب في شخصيات مثل علي وسلمان بوصفهم تجليات
نورانية، لا رموزًا تاريخية فحسب.
فلسفة الولاية في العرفان
العلوي
يمثل هذا الجزء محور التحوّل الذي يشرح كيف
تنقلب فكرة "الولاية" من خطاب إلى طريق، ومن نص إلى حضور داخلي، حيث
تصبح العلاقة مع الإمام عليّ مسارًا للتحوّل والاتصال الإلهي، وتغدو لحظة الغدير
ولادة ثانية في الوعي والوجود.
الإمام عليّ (ع) كـ"وجه
الله" و"عين الوجود"
في الرؤية العرفانية، لا يُرى الإمام عليّ
كشخصية تاريخية فقط، بل كتجلٍّ نوري للباطن الإلهي في عالم الظاهر. تأويل قوله
تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} يُفهم على أن "وجه الله" هو الحقيقة التي
تجلت في الإمام عليّ، كـ"مرآة للأسماء الحسنى"، وكمركز في الوجود لا
يموت.
مقارنة مع مفهوم "الإنسان الكامل"
في فلسفة ابن عربي يُظهر تقاطعًا وتشابهًا غنيًا: كلاهما يمثل الخلافة الكونية، لكن
العرفان العلوي يضيف البُعد التاريخي: الإمام عليّ هو التجسد الحي لتلك المرتبة،
وهو "عين الوجود" الذي ترى الخليقة من خلاله النور وتفهم أسرارها.
الغدير كـ"حدث كوني"
يتحوّل الغدير في هذا التصور إلى لحظة تأسيس
جديدة، لا في السياسة، بل في الوجود. ويُعاد فهم الزمن بوصفه نوعين:
1. زمن تاريخي: حدث في 18 من ذي الحجة.
2. زمن ميتافيزيقي: يتجدد سنويًا في وعي
المؤمن، ويُستعاد طقسيًا بوصفه لحظة ولادة.
يمكن اعتبار الغدير "زمنًا مقدسًا"
يعود فيه المؤمن إلى أصل الميثاق، ويُعيد تفعيل الاتصال الإلهي، تمامًا كما في نظرية
"الزمن الدوري" عند الشعوب التقليدية.
الولاية والعرفان العملي: كيف
يصير الغدير "ولادة ثانية"؟
العرفان العلوي لا يكتفي بالمعرفة النظرية، بل يُقدّم الولاية كممارسة روحية تقود إلى الخلاص. وهنا يتشكّل المسار الروحي للمؤمن عبر ثلاث مراحل،حيث يتحول عيد الغدير إلى لحظة عبور داخلي:
1. يترك فيها المؤمن عالم الظاهر،
2. ويبدأ رحلته نحو الباطن،
3. حيث يُرى الإمام علي في كل شيء، كنورٍ في
الهواء، وكصوتٍ يتردد في أعماق الوعي.
تعليقات: (0) إضافة تعليق